فصل: تفسير الآيات (37- 38):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (36):

{وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)}
{وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ} قيل في النطق مطلقًا أو في الاعتذار وقرأ زيد بن علي كما حكى عنه أبو علي الأهوازي بالبناء للفاعل أي ولا يأذن الله تعالى لهم {فَيَعْتَذِرُونَ} عطف على يؤذن منتظم معه في سلك النفي والفاء للتعقيب بين النفيين في الأخبار في قول ولترتب النفي الثاني نفسه على الأول في آخر ونظر فيه ولم يقل فيعتذروا بالنصب في جواب النفي قيل ليفيد الكلام نفي الاعتذار مطلقًا إذ لا عذر لهم ولا يعتذرون بخلاف ما لو نصب وجعل جوابًا فإنه يدل على أن عدم اعتذارهم لعدم الإذن فيوهم ذلك أن لهم عذرًا لكن لم يؤذن لهم فيه وقال ابن عطية إنما لم ينصب في جواب النفي للمحافظة على رؤوس الآي والوجهان جائزان وظاهره استواء المعنى عليهما وهو مخالف لكلامهم لقولهم بالسببية في النصب دون الرفع نعم ذهب أبو الحجاج الأعلم إلى أنه قد يرفع الفعل ويكون معناه على قلة معنى المنصوب بعد الفاء وأن النحويين إنما جعلوا معنى الرفع غير معنى النصب رعيًا للأكثر في كلام العرب وجعل دليله على ذلك هذه الآية ورد عليه ذلك ابن عصفور وغيره فتدبر والظاهر أن نفي الاعتذار باعتبار بعض المواطن والمواقيت كنفي النطق وجوز أن يكون المنفي حقيقة الاعتذار النافع فلا منافاة بين ما هنا وقوله تعالى: {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم}

.تفسير الآيات (37- 38):

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38)}
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ هذا يَوْمُ الفصل} بين المحق والمبطل {جمعناكم والاولين} أي من تقدمكم من الأمم والكلام تقرير وبيان للفصل لأنه لا يفصل بين المحق والمبطل إلا إذا جمع بينهم.

.تفسير الآية رقم (39):

{فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39)}
{فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} فإن جميع من كنتم تقلدونهم وتقتدون بهم حاضرون وهذا تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا وإظهار لعجزهم.

.تفسير الآية رقم (40):

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40)}
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} حيث ظهر أن لا حول لهم ولا حيلة في التخلص مما هم فيه.

.تفسير الآية رقم (41):

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41)}
{إِنَّ المتقين} من الكفر والتكذيب لوقوعه في مقابلة المكذبين بيوم الدين فيشمل عصاة المؤمنين {فِى ظلال} جمع ظل ضد الضح وهو أعم من الفيء فإنه يقال ظل الليل وظل الجنة ويقال لكل موضع لم تصل إليه الشمس ظل ولا يقال الفيء إلا لما زال عنه الشمس ويعبر به أيضًا عن الرفاهة وعن العزة والمناعة وعلى هذا المعنى حمل الراغب ما في الآية والمتبادر منه ما هو المعروف ويؤيده ما تقدم في المقابل {انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب} [المرسلات: 30] إلخ وقراءة الأعمش في ظلل جمع ظلة وأيًا ما كان فالمراد من قوله تعالى: {إِنَّ المتقين فِي ظلال} {وَعُيُونٍ}.

.تفسير الآية رقم (42):

{وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42)}
{وفواكه مِمَّا يَشْتَهُونَ} إنهم مستقرون في فنون الترفه وأنواع التنعم.

.تفسير الآية رقم (43):

{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)}
{كُلُواْ واشربوا هَنِيئًَا بما كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} مقدر بقول هو حال من ضمير {المتقين} في الخبر كأنه قيل مستقرون في ذلك مقولًا لهم كلوا واشربوا هنيئًا بما كنتم تعملون في الدنيا من العمل الصالح بالإيمان وغير ذلك.

.تفسير الآية رقم (44):

{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)}
{إِنَّا كَذَلِكَ} أي مثل ذلك الجزاء العظيم {نَجْزِى المحسنين} لاجزاء أدنى منه والمراد بالمحسنين المتقون السابق ذكرهم إلا أنه وضع الظاهر موضع الضمير مدحًا لهم بصفة الإحسان أيضًا مع الإشعار بعلة الحكم وجوز أن يراد بالمتقين والمحسنين الصالحون من المؤمنين ولا دليل فيه للمعتزلة على خلود العصاة أهل الكبائر في النار وغاية الأمر عدم التعرض لحالهم.

.تفسير الآية رقم (45):

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45)}
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} حيث نال أعداؤهم هذا الثواب العظيم وهم بقوا في العذاب الأليم.

.تفسير الآية رقم (46):

{كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46)}
{كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ} حال من المكذبين على ما ذهب إليه غير واحد من الأجلة أي الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم ذلك تذكيرًا لما كان يقال لهم في الدنيا ولما كانوا أحقاء بأن يخاطبوا به حيث تركوا الحظ الكثير إلى النزر الحقير فيفيد التحسير والتخسير وعلى طريقته قوله:
إخوتى لا تبعدوا أبدا ** وبلى والله قد بعدوا

فهو دعاء لإخوته بعدم الهلكة بعد هلاكهم تقريرًا بأنهم كانوا أحقاء بذلك الدعاء في حياتهم وأن هلاكهم لحينونة الأجل المسمى لا لأنهم كانوا أحقاء بالدعاء عليهم وذهب أبو حيان إلى أنه كلام مستأنف خوطب به المكذبون في الدنيا والأمر فيه أمر تحسير وتهديد وتخسير ولم يعتبر التهديد على الأول لأنه غير مقصود في الآخرة ورجح بأنه أبعد من التعسف وأوفق لتأليف النظم وفيه نظر والظاهر أن قوله سبحانه: {إِنَّكُمْ} إلخ في موضع التعليل وفيه دلالة على أن كل مجرم نهايته تمتع أيام قليلة ثم يبقى في عذاب وهلاك أبدًا.

.تفسير الآيات (47- 48):

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48)}
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركعوا} أي أطيعوا الله تعالى واخشعوا وتواضعوا له عز وجل بقبول وحيه تعالى واتباع دينه سبحانه وارفضوا هذا الاستكبار والنخوة {لاَ يَرْكَعُونَ} لا يخشعون ولا يقبلون ذلك ويصرون على ما هم عليه من الاستكبار وقيل أي إذا أمروا بالصلاة أو بالركوع فيها لا يفعلون إذ روي عن مقاتل أن الآية نزلت في ثقيف قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام حط عنا الصلاة فإنا لا نجبي فإنها مسبة علينا فقال عليه الصلاة والسلام: «لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود» ورواه أيضًا أبو داود والطبراني وغيرهما وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال هذا يوم القيامة يدعون إلى السجود فلا يستطيعون السجود من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون في الدنيا واتصال الآية على ما نقل عن الزمخشري بقوله تعالى: {لّلْمُكَذّبِينَ} كأنه قيل ويل يومئذٍ للذين كذبوا والذين إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون وجوز أن يكون أيضًا بقوله سبحانه: {إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ} [المرسلات: 46] على طريقة الالتفات كأنه قيل هم أحقاء بأن يقال لهم كلوا وتمتعوا ثم علل ذلك بكونهم مجرمين وبكونهم إذا قيل لهم صلوا لا يصلون واستدل به على أن الأمر للوجوب وأن الكفار مخاطبون بالفروع.

.تفسير الآيات (49- 50):

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)}
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ} أي بعد القرآن الناطق بأحاديث الدارين وأخبار النشأتين على نمط بديع معجز مؤسس على حجج قاطعة وبراهين ساطعة {يُؤْمِنُونَ} إذ لم يؤمنوا به والتعبير ببعده دون غيره للتنبيه على أنه لا حديث يساويه في الفضل أو يدانيه فضلًا أن يفوته ويعاليه فلا حديث أحق بالإيمان منه فالبعدية للتفاوت في الرتبة كما قالوا في {عتل بعد ذلك زنيم} [القلم: 13] وكان الفاء لما أن المعنى إذا كان الأمر كذلك وقد اشتمل القرآن على البيان الشافي والحق الواضح فما بالهم لا يبادرون الإيمان به قبل الفوت وحلول الويل وعدم الانتفاع بعسى ولعل وليت وقرأ يعقوب وابن عامر في رواية تؤمنون على الخطاب هذا ولما أوجز في سورة الإنسان في ذكر أحوال الكفار في الآخرة وأطنب في وصف أحوال المؤمنين فيها عكس الأمر في هذه السورة فوقع الاعتدال بذلك بين هذه السورتين والله تعالى أعلم.

.سورة النبأ:

يتساءلون والتساؤل والمعصرات.
وهي مكية بالاتفاق.
وآيها إحدى وأربعون في المكي والبصري وأربعون في غيرها.
ووجه مناسبتها لما قبلها اشتمالها على إثبات القدرة على البعث الذي دل ما قبل على تكذيب الكفرة به وفي تناسق الدرر اتصالها بما قبل تناسبها معها في الجمل فإن في تلك ألم نهلك الأولين ألم نخلقكم من ماء مهين ألم نجعل الأرض كفاتا إلخ وفي هذه ألم نجعل الأرض مهادا إلخ مع اشتراكها والأربع قبلها في الاشتمال على وصف الجنة والنار وما وعد المدثر وأيضا في سورة المرسلات لأي يوم أجلت ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل وفي هذه أن يوم الفصل كان ميقاتا إلخ ففيها شرح يوم الفصل المجمل ذكره فيا قبلها. اهـ.
وقيل أنه تعالى لما ختم تلك بقوله سبحانه: {فبأي حديث بعده يؤمنون} وكاد المراد بالحديث فيه القرآن افتتح هذه بتهويل التساؤل عنه والاستهزاء به وهو مبني على ما روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة أن المراد بالنبأ العظيم القرآن والجمهور على أنه البعث وهو الأنسب بالآيات بعد كما ستعرفه إن شاء الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)}
{عَمَّ} أصله عما على أنه حرف جر دخل على ما الاستفهامية فحذفت الألف وعلل بالتفرقة بينها وبين الخبرية والإيذان بشدة الاتصال وكثرة الدوران وحال العلل النحوية معلوم وقد قرأ عبد الله وأبي عكرمة وعيسى بالألف على الأصل وهو قليل الاستعمال وقال ابن جني إثبات الألف أضعف اللغتين وعليه قوله:
على ما قام يشتمني لئيم ** كخنزير تمرغ في رماد

والاستفهام للإيذان بفخامة شأن المسؤل عنه وهوله وخروجه عن حدود الأجناس المعهودة أي عن أي شيء عظيم الشأن {يَتَسَاءلُونَ} الضمير لأهل مكة وأن لم يسبق ذكرهم للاستغناء عنه بحضورهم حسًا مع ما في الترك على ما قيل من التحقير والإهانة لإشعاره بأن ذكرهم مما يصان عنه ساحة الذكر الحكيم ولا يتوهم العكس لمنع المقام عنه وكانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم ويخوضون فيه إنكارًا واستهزاء لكن لا على طريقة التساؤل عن حقيقته ومسماه بل عن وقوعه الذي هو حال من أحواله ووصف من أوصافه وما كما مر غير مرة وإن اشتهرت في طلب حقائق الأشياء ومسميات أسمائها لكنها قد يطلب بها الصفة والحال فيقال ما زيد ويجاب بعالم أو طبيب وقيل كانوا يتساءلون الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين استهزاء فالتساؤل متعد ومفعوله مقدر هنا وحذف لظهوره أو لأن المستعظم السؤال بقطع النظر عمن سأل أو لصون المسؤل عن ذكره مع هذا السائل وتحقيق ذلك على ما في الإرشاد أن صيغة التفاعل في الأفعال المتعدية لإفادة صدور الفعل عن المتعدد ووقوعه عليه بحيث يصير كل واحد من ذلك فاعلًا ومفعولًا معًا لكنه يرفع المتعدد على الفاعلية ترجيحًا لجانب فاعليته وتحال مفعوليته على دلالة الفعل كما في قولك تراءى القوم أي رأي كل واحد منهم الآخر وقد تجرد عن المعنى الثاني فيراد بها مجرد صدور الفعل عن المتعدد عاريًا عن اعتبار وقوعه عليه فيذكر للفعل حينئذ مفعول كما في قولك تراأوا الهلال وقد يحذف كما فيما نحن فيه فالمعنى عن أي شيء يسأل هؤلاء القوم الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ورا تجرد عن صدور الفعل عن المتعدد أيضًا فيراد بها تعدده باعتبار تعدد متعلقه مع وحدة الفاعل كما في قوله تعالى: {فَبِأَىّ الاء رَبّكَ تتمارى} [النجم: 55] وذكر بعض المحققين أنه قد يكون لصيغة التفاعل على الوجه الأول مفعول أيضًا لكنه غير الذي فعل به مثل فعله كما في تعاطيا الكاس وتفاوضا الحديث وعليه قول امرئ القيس:
فلما تنازعنا الحديث واسمحت ** حصرت بغصن ذي شماريخ ميال

فمن قال أن تفاعل لا يكون الأمن اثنين ولا يكون إلا لازمًا فقد غلط كما قال الطبليوسي في شرح أدب الكاتب إن أراد ذلك على الإطلاق وليت شعري كيف يصح ذلك مع أن مجيء تفاعل عنى فعل غير متعدد الفاعل كتواني زيد وتداني الأمر وتعالى الله عما يشركون كثير جدًا وكدا مجيئه متعديًا إلى غير الذي فعل به مثل فعله كما سمعت وجوز أن يكون ضمير يتساءلون للناس عمومًا سواء كانوا كفار مكة وغيرهم من المسلمين وسؤال المسلمين ليزدادوا خشية وإيمانًا وسؤال غيرهم استهزاء ليزدادوا كفرًا وطغيانًا وهو خلال ما يقتضيه ظاهر الآيات بعد وقيل كان التساؤل عن القرآن وتعقب بأن قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض} [النبأ: 6] ظاهر في أنه كان عن البعث وهو مروي عن قتادة أيضًا لأنه من أدلته وأجيب بأن تساؤلهم عنه واستهزاؤهم به واختلافهم فيه بأنه سحر أو شعر كان لاشتماله على الأخبار بالبعث فبعد أن ذلك ما يفيد استعظام التساؤل عنه تعرض لدليل ما هو منشأ لذلك التساؤل وفيه بعد وقوله تعالى: